أخبارمقالات وبحوث
زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى قطر وتطور العلاقات الأمريكية-القطرية: دراسة تحليلية لأبعادها الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية

بسام فهد ثنيان الغانم
اليوم الأربعاء 14 مايو 2025 قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بزيارة رسمية إلى دولة قطر، وهي الأولى من نوعها لرئيس أمريكي إلى الدوحة، ضمن جولة إقليمية شملت السعودية والإمارات.
شكلت هذه الزيارة نقطة تحول في العلاقات الأمريكية-القطرية، حيث شهدت توقيع اتفاقيات اقتصادية وعسكرية بقيمة تزيد عن 1.2 تريليون دولار، إلى جانب مناقشات مكثفة حول قضايا إقليمية ودولية حساسة.
نهدف في هذه الورقة إلى تحليل زيارة ترامب مع التركيز على أبعادها الاقتصادية، العسكرية، والدبلوماسية، وتسليط الضوء على تطور العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وقطر.
كما تناقش الورقة التحديات والانتقادات المرتبطة بالزيارة، لا سيما في ضوء الجدل حول تضارب المصالح التجارية.
جاءت زيارة ترامب في ظروف إقليمية معقدة، تتسم باعتداءات الاحتلال على قطاع غزة، واستمرار التحديات المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني، والحرب الروسية-الأوكرانية.
قطر التي تُعد وسيطًا إقليميًا بارزًا، استطاعت تعزيز مكانتها كشريك استراتيجي للولايات المتحدة، خاصة بعد تصنيفها في 2022 كـ”حليف رئيسي من خارج الناتو”.
كما أن استضافة قاعدة العديد الجوية، أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، عززت من أهمية قطر كمركز للعمليات العسكرية والدبلوماسية الأمريكية في المنطقة.
الأبعاد الاقتصادية للزيارة
أحد أبرز إنجازات الزيارة هو توقيع اتفاقيات اقتصادية ضخمة، أعلن البيت الأبيض أنها ستولد تبادلًا اقتصاديًا بقيمة 1.2 تريليون دولار على الأقل.
تضمنت هذه الاتفاقيات صفقة بارزة مع الخطوط الجوية القطرية بقيمة 96 مليار دولار لشراء ما يصل إلى 210 طائرات بوينغ (طرازي 787 دريملاينر و777X) مزودة بمحركات جنرال إلكتريك.
وصفت هذه الصفقة بأنها الأكبر في تاريخ شركة بوينغ، ومن المتوقع أن تدعم عشرات الآلاف من الوظائف في الولايات المتحدة.
إلى جانب ذلك، شملت الاتفاقيات استثمارات بقيمة 243.5 مليار دولار في قطاعات متنوعة مثل الطيران، البنية التحتية، والتصنيع المتقدم.
هذه الصفقات تعكس التزام قطر بتعزيز الشراكة الاقتصادية مع الولايات المتحدة، حيث سجلت التجارة الثنائية في 2024 فائضًا تجاريًا لصالح الولايات المتحدة بقيمة 2 مليار دولار، مع حجم تجارة إجمالي بلغ 5.64 مليار دولار، وفي 2023 استثمرت قطر 3.3 مليار دولار في الولايات المتحدة، تركزت في قطاعات السياحة، التكنولوجيا، والطاقة.
الأبعاد العسكرية
على الصعيد العسكري عززت الزيارة التعاون بين البلدين من خلال توقيع اتفاقيات بقيمة إجمالية تقدر بـ38 مليار دولار لتطوير قاعدة العديد الجوية وتعزيز قدرات الدفاع الجوي والأمن البحري.
تضمنت هذه الاتفاقيات صفقة بقيمة 1 مليار دولار مع شركة رايثيون لتزويد قطر بأنظمة مكافحة الطائرات بدون طيار (FS-LIDS)، وهي الأولى من نوعها لعميل دولي، وصفقة بقيمة 2 مليار دولار مع جنرال أتوميكس لتوفير طائرات MQ-9B بدون طيار.
تُعد قاعدة العديد التي تستضيف أكثر من 10,000 جندي أمريكي مركزًا استراتيجيًا للعمليات العسكرية الأمريكية في المنطقة.
في 2024 جددت الولايات المتحدة اتفاقية استضافة القاعدة لعشر سنوات إضافية، مما يعكس الثقة المتبادلة بين البلدين.
هذه الاتفاقيات لا تعزز الأمن الإقليمي فحسب بل تدعم أيضًا الصناعات الدفاعية الأمريكية، حيث أشارت تقديرات البيت الأبيض إلى أن الصفقات ستخلق 154,000 وظيفة سنويًا في الولايات المتحدة.
الأبعاد الدبلوماسية
شهدت الزيارة مباحثات مكثفة استمرت أكثر من ساعتين، تجاوزت الوقت المحدد بأكثر من ساعة، مما يعكس تعقيد الملفات التي نوقشت.
تضمنت هذه الملفات قضايا إقليمية ودولية حساسة، أبرزها:
1. قطاع غزة:
لعبت قطر دورًا محوريًا في مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن بين إسرائيل وحركة حماس، بالتعاون مع مصر. خلال الزيارة، حضر المبعوثان الأمريكيان ستيفن ويتكوف وآدم بولر، وأجرى وفد إسرائيلي مفاوضات في الدوحة. ومع ذلك، أشار المحللون إلى تعنت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يسعى لهدنة مؤقتة مدتها 40 يومًا تليها استئناف الحرب، مما يعيق الجهود الدبلوماسية.
2. إيران:
ناقش الطرفان البرنامج النووي الإيراني، مع مؤشرات إيجابية حول إمكانية استئناف المفاوضات، يعكس ذلك رغبة ترامب في تحقيق اختراق دبلوماسي في هذا الملف.
3. سوريا والحرب الروسية-الأوكرانية:
دعمت قطر تخفيف العقوبات الأمريكية على سوريا، كما ناقش الطرفان دور قطر المحتمل كوسيط في النزاع الروسي-الأوكراني.
أكد ترامب خلال الزيارة على رغبته في تحقيق “سلام إقليمي”، مع التركيز على ترك إرث كـ”صانع سلام”. كما أشار إلى تحول في السياسة الأمريكية، يتضح من غياب إسرائيل عن جدول زيارته وتوقيع الاتفاقيات دون التشاور مع تل أبيب، مما يعكس عزلة نتنياهو عن السياسة الأمريكية.
التحديات والانتقادات
على الرغم من نجاح الزيارة واجهت انتقادات كبيرة، خاصة فيما يتعلق بقضايا أخلاقية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية:
1. عرض الطائرة القطرية:
أثار عرض قطر توفير طائرة بوينغ 747-8 فاخرة لاستخدامها كـ”طائرة الرئاسة” مؤقتًا جدلًا واسعًا، دافع ترامب عن القرار، معتبرًا العرض “إيماءة لطيفة” لتعويض تأخير تسليم الطائرات الرئاسية الجديدة، كما أكد أن الطائرة لن تُستخدم لأغراض شخصية، وأنها ستُدار من قبل وزارة الدفاع، لكن هذا الرد لم يخفف من حدة الانتقادات، حيث اعتبر البعض أن مجرد قبول العرض يضر بمصداقية الإدارة، واعتبر الديمقراطيين وخبراء الأخلاقيات العرض انتهاكًا لبند الهدايا الأجنبية في الدستور الأمريكي، مشيرين إلى مخاطر التأثير الأجنبي.
2. تضارب المصالح التجارية:
أثارت الأعمال التجارية لعائلة ترامب في قطر، بما في ذلك صفقة تطوير نادي ترامب الدولي للغولف بالتعاون مع شركة قطرية، مخاوف من تضارب المصالح. هذه القضية زادت من التدقيق في قرارات ترامب، خاصة في ظل الصفقات الاقتصادية الضخمة الموقعة.
وعلى عكس الرؤساء السابقين لم يضع ترامب أصوله التجارية في صندوق استئماني مستقل (blind trust)، مما زاد من المخاوف حول تأثير مصالحه الشخصية على قراراته السياسية، وفقًا لتقرير صادر عن منظمة “OpenSecrets” فإن استثمارات عائلة ترامب في دول الخليج، بما في ذلك قطر، تشكل مخاطر أخلاقية كبيرة.
لم يعالج ترامب هذه الانتقادات بشكل مباشر، لكنه أكد أن زيارته كانت تهدف إلى تعزيز المصالح الاقتصادية الأمريكية، مشيرًا إلى خلق 154,000 وظيفة من خلال الاتفاقيات الموقعة.
3. ملف غزة:
رغم الجهود القطرية-الأمريكية، يظل تعنت نتنياهو عقبة رئيسية أمام التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في غزة، تصريحات نتنياهو عن هدنة مؤقتة تليها استئناف الحرب أثارت قلق المحللين من احتمال فشل الوساطة.
4. عدم تداول ملف السودان:
خلال زيارة ترامب ركزت قطر على تعزيز دورها كوسيط إقليمي في قضايا محددة، ولم تُشر التقارير إلى أن السودان كان ضمن الأولويات المطروحة.
الحرب في السودان تسببت في نزوح أكثر من 8.8 مليون شخص داخليًا و3.5 مليون لاجئ خارجيًا، مع مجاعة في شمال دارفور، مما يزيد الضغط الدولي لإيجاد حل.
تاريخيًا لعبت قطر دورًا دبلوماسيًا مهمًا في السودان، خاصة في مفاوضات السلام في دارفور (اتفاق الدوحة للسلام 2011)، ومع ذلك خلال الحرب الحالية في السودان، لم تبرز قطر كوسيط رئيسي مقارنة بدورها في قضايا مثل غزة أو أفغانستان.
تطور العلاقات الأمريكية-القطرية
بدأت العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وقطر في 1972، وتطورت بشكل ملحوظ منذ التسعينيات مع استضافة قاعدة العديد.
خلال الأزمة الخليجية (2017-2021)، واجهت العلاقات تحديات بسبب اتهامات بدعم قطر للإرهاب، لكن دورها في مكافحة الإرهاب وتسهيل انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان في 2021 عزز الثقة المتبادلة.
اليوم تُعد قطر شريكًا استراتيجيًا رئيسيًا، مدعومًا بالتعاون الاقتصادي القوي، والشراكة العسكرية، والوساطة الدبلوماسية.
شكلت زيارة الرئيس ترامب إلى قطر في مايو 2025 نقطة تحول في العلاقات الأمريكية-القطرية، مع توقيع اتفاقيات اقتصادية وعسكرية غير مسبوقة، وتعزيز التعاون الدبلوماسي في ملفات حساسة.
عززت الزيارة مكانة قطر كحليف استراتيجي ووسيط إقليمي، بينما أكدت على تحول في السياسة الأمريكية نحو تعزيز الشراكات الاقتصادية مع دول الخليج.
ومع ذلك تظل التحديات الأخلاقية المرتبطة بتضارب المصالح، إلى جانب تعقيدات ملف غزة، عوامل قد تؤثر على ديناميكيات العلاقات مستقبلًا.
تُبرز هذه الزيارة أهمية قطر كلاعب إقليمي رئيسي، وقدرتها على الموازنة بين المصالح الاقتصادية والدبلوماسية في ظروف جيوسياسية معقدة.